.
اليوم"سأشطح" بعيداً عن السياسة ، وأتحدث في موضوع آخر مختلف
سأتحدث عن فنّ الإستماع .
.
من منّا يجيد فن الإستماع ؟ من منّا يعرفه ؟ من منّا يطبقه ؟
.
لقد خلق الله عزّ وجل لنا أذنين اثنتين ، ولساناً واحد فقط .
لماذا لم يجعل الله لنا لسانين ؟
ألا تكفي أذن واحدة فقط بدل اثنتين ؟
.
الإنسان لا يتعلم إلا بالإستماع .
ولا يفهم إلا بالإستماع .
ولا يكتسب الخبرات إلا بالإستماع .
ولا يعرف إلا بالإستماع .
.
ولقد تحدث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ،
تحدث عن فن الإستماع ولكن بطريقة غير مباشرة .
.
فقد قال : ( إذا تحدث أحدكم فليقل خيراً أو ليصمت ) ،
وقال أيضاً : ( من يضمن لي ما بين لحييه -يقصد لسانه- ، ... أضمن له الجنة ) .
.
فكل هذه الأحاديث تدل على أهمية تقليل الكلام ،
وعدم إستخدام اللسان إلا عند الحاجة الفعلية ،
وبالتالي فعوضاً عن الكلام ، أنت تستمع .
.
وليس الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وحده الذي عرف فن الإستماع وحث عليه ،
بل حتى إن القدماء والحكماء عرفوه ، فقد قالوا : " خير الكلام ما قل ودل " .
..
اســـــــتـــــــــمـــــــــع
.
استمع لمن حولك ... فالإستماع شيء رائع وعجيب ،
وعندما تجربه ستعرفه وتحبه .
.
كثير من الناس يحب أن يتكلم ، ويتكلم ويتكلم ،
فما إن يجلس في مجلس أو "ديوانية" إلا وتراه لا يكاد يسكت أبداً ،
فمن شخص إلى شخص ومن موضوع إلى موضوع ،
وإذا تحدث شخص آخر بادر فوراً إلى مقاطعته ،
فهو لا يحب أن يتكلم احد سواه .
.
صدقوني إن جرب فن الإستماع ، سيعشق الإستماع .
.
ويجب أن تفرق عزيزي القارئ بين الإستماع والسمع ؛
فأنت عندما تستمع فأنت تستمع بكل جوارحك وعقلك وتفكيرك ،
أما حين تسمع فقد تسمع بدون حضور تفكيرك ،
وهذا يختلف عن الإستماع الذي يأتي بالفهم والتأمل والتفكير .
فقد تستمع إلى محاضرة أو درس .
وقد تسمع أغنية .
هل عرفت الفرق بينهما ؟
.
عندما تتناقش مع شخص في موضوع ما ، ولديك وجهة نظر مختلفه عن وجهة نظره ،
وتريد إقناعه بوجهة نظرك ، استخدم معه فن الإستماع .
.
إستمع لما يقول ، وافهم ماذا يريد ، واعرف النقاط التي لسببها اختلف معك ،
ورتب أفكارك ورتب ردودك ، ولا تقاطعه ، حتى إذا انتهى بدأت انت بالكلام ،
فيكون كلاماً قليلاً ومختصراً ومركزاً على سبب المشكلة ونقطة الإختلاف ،
وتتجنب الكلام الزائد الذي لا فائدة منه .
فتقنعه بأقصر مدة وبأقل كلام وجهد ممكنين .
.
وهذا ما كان يفعله رسولنا عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش ،
فحين أتاه الوليد بن المغيره يوماً يعرض عليه المغريات ، مغريات الدنيا ،
فقط لأجل أن يترك دعوته ، فعرض عليه المال ،
وعرض عليه المُلك ، وعرض عليه النساء ،
وأخذ يتكلم ويتكلم والرسول عليه الصلاة والسلام يستمع إليه بكل هدوء ،
فحتى إذا انتهى من كلامه ، قال له عليه الصلاة والسلام ،
( أفرغت ؟ ) قال نعم ، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وأخذ يقرأ سورة فصلت ، حتى وصل إلى قوله تعالى :
" فَإِن أَعْرَضُوا فَقُل أَنْذَرْتُكُم صاْعِقَةً مِثْل صاْعِقَةِ عَادٍ وثَمُود " ،
..... إلى نهاية القصة المعروفة .
.
والشاهد من هذه القصة ، هو إتقان رسولنا وسيدنا عليه الصلاة والسلام ،
لفن الإستماع ، فلم يقاطع الوليد بن المغيرة ،
رغم أن كلامه لم يكن يليق به صلوات ربي وسلامه عليه ،
وإنما استمع إلى كلامه كاملاً ، فعرف من أين يأتيه وكيف يرد عليه ،
فحتى إذا انتهى رد عليه بالرد اللائق .
.
فالشخص عندما يتكلم فهو لا يسمع إلا صوته ،
ومن لم يسمع إلا نفسه لن يتعلم أبداً ولن يستفيد من تجارب الآخرين .
.
فلنجرب جميعاً فن الإستماع من اليوم ، بل من هذه اللحظة .
فهو لا يحتاج إلى مجهود كبير ،
فقط حاول ان تستمع قدر الإمكان ،
وتاكد أنك خلال إستماعك ، ستعرف وتكتسب أشياء ،
لم تكن لتكتسبها وأنت تتكلم .
.
إذا فاستمع ، وقلل من كلامك قدر الإمكان ،
ولكن لا تكن صامتاً دائماً ، بل تكلم وعبّر ،
ولكن عند الحاجة ، وبأقل قدر من الكلام .
.
.حقوقي ،