بعيداً عن السياسة سأُبحر ، زاوية سأملؤها دورياً (كل أسبوع أو عشر أيام على حسب) ،
أتحدث فيها عن موضوع بعيد تماماً عن السياسة ، موضوع اجتماعي ، ديني ، قانوني ، رياضي ، فنّي ، ... الخ
لكي لا "نحكر" أنفسنا في دائرة السياسة ، فالحياة أكبر وأوسع من السياسة ... بكثير .
---------------------------------------------
..اليوم سأبحر ، وأتوجه لموضوع ، ليس بالجديد ، موضوع الإختلاط في الجامعة . لا أدري من أين سأبدأ الحديث عن هذا الموضوع الشائك ، ولكن بداية يجب أن نعرف أن الإختلاط كان موجوداً في الجامعة منذ إنشائها .
.
أتى اليوم بعض الـ "متأسلمين" وأرادوا منع الإختلاط في الجامعة ، وقد نجحوا في إقرار ذلك القانون مع الأسف . قد يبدوا القانون الذي نجحوا في إقراره من الوهلة الأولى قانوناً جيداً ، ولكن إن أمعنت النظر فيه ستنكشف لك عيوبه .
.
كيف سنفصل الشباب عن البنات والقاعة واحدة والدكتور واحد ؟ إذا سنفصل القاعة ونجعل قاعة للشباب وقاعة للبنات . والدكتور سيعطي المادة مره هنا ومرة أخرى هناك . وقد يغلق شعبة الطلبة على حساب شعبة الطالبات أو يغلق شعبة الطالبات على حساب الطلبة . حسناً بعد أن تنتهي المحاضرة سيمشي الشباب والبنات في ممر واحد فكيف ذلك ؟ سنضع ممراً للشباب ونبني ممراً للبنات .حسناً بعد أن يمشي الشاب في ممر منفصل والفتاة في ممر منفصل سيأتون لكافتيريا مشتركة فكيف ؟ حسناً سنضع كافتيريا للشباب ونبني أخرى للبنات .
.
هذا كله كان في جامعة الكويت الأثرية ، أما في "جامعة الأحلام" جامعة الشدادية فكيف يكون الوضع ؟
كيف سينفصل الشباب عن البنات والكلية واحد ؟ إذا نحن بحاجة إلى بناء كلية جديده . وبعد بناء الكلية هل ستقسم هيئة التدريس بين الكليتين ؟ ستكون كل كلية بـ"نصف" طاقم هيئة تدريس . إذا سنعين دكاترة وهيئة تدريس جديدة . وبعد بناء كلية جديده وجلب هيئة تدريسية جديده لن يبقى إلا وضع حرم جامعي كامل للشباب وحرم جامعي كامل للبنات !
.
إذا امعنتم النظر في كل ما تقدم ستجدون أن لتطبيق القانون نحتاج أن نبني ونبني ونبني أشياء زائدة لا فائدة منها سوا الفصل . واكبر دليل على ذلك أن جامعة الشدادية بعد أن أخذت ميزانية خيالية بلغت مليار و500 مليون دينار كويتي تكفي لبناء عشرين جامعة محترمة ، طلبت أيضاً مبلع مليار ومائتي مليون دولار (أي تقريبا 325 مليون دينار كويتي) لأجل تطبيق قانون منع الإختلاط سيء الذكر .
.
حسنٌ قد يقول قائل إن كان قانون منع الإختلاط عيبه الوحيد الحاجة لمزيد من الأموال فمرحباً به ، فنحن دولة غنية ولن يضرنا هذا شيئاً .
.
للأسف أن القانون ليس عيبه الوحيد هو الأموال الزائدة ، وإنما له أضرار وأبعاد مستقبلية .
تخيل الطفل من بعد الروضة إلى أن يصبح رجلاً في الجامعة لم يحتك من قبل بالفتيات ولم يتعامل معهم ، فكيف سيعمل بعد ذلك ؟
ألن يعمل في وزارة ؟ ألن يكون لديه زميلات ؟ ألن يكون لديه مراجعات ؟
وإن عمل في شركة أو بنك أو أي مكان آخر . لا مفر من الإحتكاك والتعامل مع النساء عموماً (غير أمه وأخواته طبعاً) .
.
اتذكر هنا مقولة لأستاذ اللغة الإنجليزية وقد كان سورياً ، حينما كنت في الثانوية قال : " نحن في سوريا جميع مدارسنا مختلطة ، ونتعامل مع الطالبات زميلاتنا على أنهن أخواتنا لا أكثر ، لأننا اعتدنا عليهن ، واعتدنا على الإختلاط معهن ، قد يشذ واحد أو اثنين ، ولكن يبقى الأغلبية يتعامل مع الطالبات باحترام وأدب ، أما أنتم لو وضعوكم بعد هذه السن مع بنات في مدرسة أو كلية فسيحصل مالا يحمد عقباه " .
.
والرجل محق تماماً فيما قاله ، فإن فُصل الشباب عن البنات في المجمتع فصلاً تاماً ، أصبح إن رآى الفتاة في الشارع أو في السوق تحرش بها و"غازلها" لأنها فرصة نادرة لن تتكرر !
.
ثم وكيف يمنعون الإختلاط في الجامعة ولا يمنعون الإختلاط في الأسواق والمجمعات والمسارح إن كانوا يريدون تطبيق الشريعة كما يدعون ؟ إذاً الأمر لا فائدة منه .
.
ثم إن تخرج الطالب وذهب إلى سوق العمل لن يعرف كيف يتعامل مع زميلاته في العمل ، فسنضطر إلى وضع دورة تأهيلية لكل من يود الإلتحاق بالعمل بعنوان "كيف تتعامل مع الجنس الآخر" .. وهات يا فلوس .
.
والموضوع هنا لا يختص بالشباب فقط ، وإنما بالبنات أيضاً ، فلا يعتقد أحد بعد اليوم أن الذي يطالب بتفعيل قانون منع الإختلاط هو شخص إسلامي محب للدين حريص على المجتمع ، وأن الذي يطالب بإلغاء هذا القانون هو شخص ليبرالي علماني مفسد للمجتمع !
.حقوقي ،